
في عالم الرياضة، هناك أنشطة لتقوية الجسد، وأخرى لصقل العقل. لكن رياضة الجودو، التي يعني اسمها “الطريق اللين”، هي فريدة من نوعها، فهي رحلة لبناء كليهما معاً. في نادينا الرياضي، نقدم الجودو ليس كمجرد رياضة قتالية، بل كفلسفة حياة متكاملة يتعلم فيها طلابنا دروساً تتجاوز حدود البساط (التاتامي).
الانضباط هو حجر الزاوية في الجودو. منذ اللحظة التي يخطو فيها الطالب إلى قاعة التدريب (الدوجو)، يتعلم أهمية الالتزام بالقواعد، ترتيب بدلته، واحترام مدربه وزملائه. من خلال التكرار الصبور للحركات الأساسية (الكاتا)، ينمي الطالب قدرته على التركيز والمثابرة. الانضباط هنا ليس مجرد طاعة، بل هو تدريب للعقل على التحكم في الجسد، وهو مهارة أساسية للنجاح في الدراسة والحياة.
أما الدرس الأجمل في الجودو، فهو الاحترام. تبدأ كل مواجهة وتنتهي بالانحناءة (التحية). هذه ليست مجرد حركة شكلية، بل هي تعبير عن تقدير الخصم الذي هو في الحقيقة “شريك” لا “عدو”. فبدون شريك تتدرب معه، لا يمكنك أن تتطور. يتعلم الطالب أن القوة الحقيقية لا تكمن في هزيمة الآخرين، بل في السيطرة على النفس واحترام الشخص الذي أمامه، حتى في خضم المنافسة.
يقول مدرب الجودو في المدرسة، “Sensei” رشيد: “أقول لطلابي دائماً: على البساط، هدفكم ليس أن تسقطوا زميلكم، بل أن تتقنوا الحركة معه بأمان. القوة التي لا يحكمها الاحترام هي مجرد عنف. أما القوة التي يحكمها الاحترام، فهي فن.”
إن قيم الانضباط والتركيز واحترام الآخرين التي يكتسبها طلابنا على بساط الجودو، يحملونها معهم إلى فصولهم الدراسية، إلى منازلهم، وفي تعاملاتهم اليومية. نحن لا نُخرج أبطالاً رياضيين فحسب، بل نساهم في بناء جيل يعرف أن القوة الحقيقية تكمن في العقل الهادئ والقلب الذي يحترم الجميع.